يُعتبر الجيش في أيّ دولة حجر الزّاوية في الحفاظ على أمنها واستقرارها، وفي إسرائيل، الّذي يُعدّ أحد أقوى الجيوش في العالم، يكتسب دوره أهميّة إستراتيجية ونفسية تكاد تفصل الدّولة عن بقاء المجتمع بأكمله. تطرح هذه القضيّة تساؤلاً جوهرياًّ: هل يمكن أن يُترجم انهيار الجيش الإسرائيلي – إذا ما حدث – إلى انهيار شامل للمجتمع الإسرائيلي؟ فمن خلال دراسة العلاقة بين الجيش والمجتمع الإسرائيلي، وتحليل مدى تأثير الأحداث العسكريّة على الهويّة الوطنيّة والتّرابط الاجتماعي، نصل إلى ما إذا كان سقوط الجيش يمثّل علامة على سقوط النّظام المجتمعي بأكمله.
أوّلاً: العلاقة بين الجيش والمجتمع الإسرائيلي:
-1- الجيش كمؤسّسة وطنيّة:
- دور الجيش في تعزيز الهوية الوطنية:
يُعدّ الجيش الإسرائيلي رمزاً للوحدة والقوّة الوطنيّة، فقد ساهمت تجاربه في صياغة الهويّة الإسرائيلية، حيث يُنظر إليه كحامية للدّولة ومصدر فخر للمجتمع، هذا الشّعور يتجلّى في الرّوح المعنويّة للمستوطنين، الّتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرة الجيش على حماية الدّولة وتأمين حدودها.
- الجيش كعامل مؤثّر في السّياسات الدّاخليّة:
يمتلك الجيش في إسرائيل تأثيراً بالغاً على القرارات السّياسيّة والإستراتيجية، فهو مؤسّسة تُشارك في رسم السّياسات الوطنيّة، ممّا يجعله جزءاً لا يتجزأ من النّظام السّياسي والاجتماعي.
-2- الدّيناميكيّة العسكريّة وتأثيرها على المجتمع:
- تأثير الهزائم والخسائر العسكريّة:
تُعتبر أي خسائر كبيرة في صفوف الجيش – سواءٌ كانت نتيجة لهجمات مفاجئة أو فشل استخباراتي – بمثابة ضربة نفسيّة للمجتمع، إذ ينظر المستوطنون إلى هذه الخسائر على أنّها علامة على ضعف النّظام الأمنيّ والعسكري، ما قد يؤدّي إلى فقدان الثّقة في القيادة السّياسية وتأثيرها السّلبي على الرّوح المعنويّة.
- العلاقة النّفسية بين الجنود والمجتمع:
إنّ الرّوح المعنويّة للجنود تعكس بشكلٍ مباشر الشّعور العام بين المستوطنين، فقد شهدت بعض التّحليلات أنّ الانهيارات المحتملة في الثّقة بالجيش قد تؤدّي إلى انهيار ولاء الأفراد للنّظام بأكمله، ممّا يضع المجتمع في حالة من الفوضى النّفسية والاقتصادية.
ثانياً: العوامل المؤثرة في احتمالية سقوط الجيش وتأثيره على المجتمع:
-1- الصّراعات العسكريّة وتحدّيات الهجوم:
- الهجمات المفاجئة والتّكتيكات غير التّقليديّة:
مثل هجوم طوفان الأقصى، قد تكشف عن نقاط ضعف في النّظام العسكريّ الإسرائيلي، إنّ تكتيكات الحرب غير التّقليديّة، مثل استخدام الأنفاق والهجمات المضادّة المنظمّة، قد تؤدّي إلى خسائر فادحة في صفوف الجيش، ممّا يؤثر على قدرته على الرّد الفعال ويضعف مكانته الأمنيّة.
- الاستنزاف النّفسي والعقبات اللّوجستية:
من مؤشّرات ضعف الجيش: إذا بدأت القوّات الإسرائيليّة تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على مستويات الذّخيرة والدّعم اللّوجستي، فضلاً عن التّأثير النّفسي النّاجم عن الحصار والهجمات المتواصلة، هذه العوامل قد تؤدّي إلى تآكل الرّوح المعنويّة والالتزام داخل صفوف الجيش، ممّا ينعكس سلباً على مستوى الثّقة بين المواطنين والقيادة.
-2- الانقسامات الدّاخليّة والضّغط السّياسي:
- الانقسام في المجتمع الإسرائيلي:
يتسم المجتمع الإسرائيلي بتناقضات عميقة بين التّيارات السّياسيّة المختلفة، والّتي غالباً ما تتجلّى في مشهد الانتخابات والاحتجاجات، إنّ وقوع أزمة في الجيش قد يكون بمثابة شرارة تُفاقم هذه الانقسامات وتزيد من شعور الجماعات المختلفة بالفشل، ممّا يؤدّي إلى فقدان الثّقة في النّظام بأكمله.
- الضّغط الدّولي وتراجع الدّعم:
تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الدّعم الدّولي، لا سيّما الدّعم الأمريكي، في الحفاظ على قدراتها العسكريّة والاقتصادية، في حالة تدهور الأداء العسكريّ، قد يتراجع هذا الدّعم ممّا يضع ضغطاً إضافياًّ على الحكومة والمجتمع، ويُسهم في زيادة العزلة الدّولية.
-3- الآثار الاقتصادية والاجتماعية:
- تأثير الخسائر العسكريّة على الاقتصاد:
تُعدّ النّفقات العسكريّة الكبيرة جزءاً من ميزانيّة الدّولة، وأيّ انخفاض في كفاءة الجيش قد يؤدّي إلى زيادة الأعباء الماليّة على الاقتصاد، فالخسائر في المعدّات والجنود لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تمتد إلى الاقتصاد الوطني حيث ينعكس ذلك في انخفاض الاستثمار وتراجع النموّ الاقتصادي.
- الارتباط بين الأمن والرّفاه الاجتماعي:
الأمن كمسألة عسكريّة، يصبح العامل الأساسيّ في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، إنّ فشل الجيش في تأمين الحدود والسّيطرة على المخاطر الأمنيّة قد يؤدّي إلى هروب رؤوس الأموال، وانخفاض مستوى المعيشة، وتفاقم المشاكل الاجتماعية كالبطالة وتدهور الخدمات العامّة.
ثالثاً: هناك سيناريوهان يمكن فرضهما في هذه الحالة سأتحدّث عنهما تفصيلاً نتيجة لما تقدّم أعلاه:
-1- السّيناريو الأوّل: انهيار الجيش يؤدّي إلى انهيار المجتمع.
- فقدان الثّقة الوطنيّة:
إذا تعرّض الجيش الإسرائيلي لانهيار مفاجئ يؤدّي إلى فقدان الدّعم الشّعبي والثّقة في القيادات السّياسية، فإنّ ذلك قد يترجم إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، هذا السّيناريو ينطوي على تفكّك الرّوابط الوطنيّة، وارتفاع معدّلات الهجرة، وانهيار مؤسّسات الدّولة، ممّا يؤدّي في النّهاية إلى سقوط المجتمع الإسرائيلي من داخله.
- تأثير الضّربات النّفسيّة:
الانكسارات العسكريّة الكبيرة تسهم في خلق حالة من اليأس والإحباط بين المستوطنين، خاصّةً إذا شعروا بأنّ نظامهم الأمنيّ لا يمكنه حماية الوطن، هذا الشّعور قد يدفع إلى احتجاجات واضّطراباتٍ شاملة، وقد يؤدّي إلى تفكيك النّسيج الاجتماعي الّذي يُعتبر الدّعامة الأساسيّة لاستقرار أيّ دولة.
-2- السّيناريو الثّاني: الجيش قد يتعرّض لخسائر دون أن ينهار المجتمع.
- المقاومة الدّاخلية والقدرة على التّعافي:
على الرّغم من الهزائم المحتملة والخسائر العسكريّة، يُمكن للمجتمع الإسرائيلي أن يظلّ متماسكاً إذا كانت هناك قدرة على التّجدد والتّكيّف مع الأزمات، فوجود مؤسّسات وطنيّة قويّة ونظام اقتصادي مستدام، بالإضافة إلى إرادة سياسيّة جماعيّة للتّغيير، قد يمنع سقوط المجتمع حتّى في ظلّ تعرّض الجيش لضغوط كبيرة.
- الدّعم الدّولي والاحتياطات الإستراتيجيّة:
يعتمد الجيش الإسرائيلي بشكلٍ كبير على الدّعم الدّولي، خاصّةً من الولايات المتّحدة، وفي ظلّ استمرار هذا الدّعم، قد يتمكّن الجيش من التّعافي وإعادة تنظيم صفوفه بسرعة دون أن يؤدّي ذلك إلى انهيار المجتمع.
الخاتمة:
إنّ سؤال "هل سقوط الجيش الإسرائيلي هو سقوط المجتمع؟" يكتنفه العديد من التّعقيدات والتّناقضات الّتي تتجاوز الجانب العسكري إلى الجوانب النّفسية والاقتصادية والسّياسية، في السّيناريو الأسوأ، يُمكن أن يؤدّي انهيار الجيش إلى فقدان الثّقة الوطنيّة وتفكّك الرّوابط الاجتماعية، ممّا يترجم إلى انهيارٍ شاملٍ للنّظام والمجتمع الإسرائيلي، بينما يُشير السّيناريو الآخر إلى إمكانيّة تحمّل المجتمع الإسرائيليّ لهذه الهزائم واستمراره في التّعافي والتّأقلم بفضل مؤسّساته القويّة والدّعم الدّولي.
على الرّغم من أنّ الجيش يشكّل الدّعامة الأساسيّة للأمن والاستقرار، فإنّ سقوطه لا يعني بالضّرورة سقوط المجتمع بأكمله إذا ما توافرت عوامل التّعافي والتّجدد الدّاخليّة والدّعم الخارجي، إلّا أنّ عدم استقرار الجيش والإخفاق في تحقيق الرّدع الفعّال قد يشير إلى هشاشة أكبر في النّظام السّياسي والاجتماعي، وعلى كلّ حال ضرب الوتد الّذي يُعتبر العامود الأساسيّ للدّولة وبنيتها، سيؤدّي بلا شكّ إلى سلب الأمان على أقلّ التقادير، والنّتيجة في المقام هي أنّه لا اقتصاد في دولة لا أمان فيها، والتّفكير في الاستثمار فيها شبه معدوم ممّا يجعلها في سياق الانهيار، وضربة 7 أكتوبر كانت ضرب للاستقرار الاقتصادي رغم الدّعم الخارجي، عن طريق سلب الأمان للدّولة وضرب منظومة الجيش والاستخبارات.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: أحمد علاء الدين