لطالما كان الفكر العسكري محورًا أساسيًا في تشكيل نتائج الحروب، حيث تسعى الجيوش إلى تحقيق النّصر بأقل التّكاليف وأكبر المكاسب، ومن بين أبرز الأعمال الّتي تناولت فنون الحرب، يأتي كتاب "فنّ الحرب" للفيلسوف والقائد العسكري الصّيني سان تزو، الّذي وضع فيه مبادئ وإستراتيجيات للحرب لا تزال تُدرَّس حتّى اليوم، في المقابل، تعكس معركة طوفان الأقصى، تطبيقات حديثة للإستراتيجيّات العسكريّة في سياق حروب غير متكافئة، في هذا المقال، سنقارن بين إستراتيجيات سان تزو والإستراتيجيّات العسكريّة المستخدمة في هذه المعركة، وسوف أتحدّث هنا عن 10 إستراتجيّات ، من حيث المبادئ الأساسيّة، التّخطيط، الخداع العسكري، واستخدام الموارد، استنزاف العدوّ، الحصار والسّيطرة على خطوط الإمداد، وتوظيف الرّوح المعنويّة في القتال، ضرب مراكز القيادة والسّيطرة، الاستفادة من التّضاريس، وإدارة التّحالفات والتّأثير السّياسي.
أولًا: المبادئ الأساسيّة في الحرب:
-1- الحسم والسّرعة:
يركّز سان تزو على أهميّة السّرعة والحسم في تنفيذ العمليّات العسكريّة، حيث يقول:
"الحرب تقوم على الخداع، وسرعة الحركة أساسيّة لتحقيق النّصر."
في معركة طوفان الأقصى، كان عنصر السّرعة والمفاجأة حاسمًا، إذ اعتمدت المقاومة الفلسطينيّة على الضّربات السّريعة والتّنسيق الفوريّ لاختراق دفاعات العدوّ قبل أن يتمكّن من الرّد بفعاليّة.
-2- اختيار ساحة المعركة:
يؤكّد سان تزو أنّ الجيش الذّكي هو الّذي يختار متى وأين يقاتل، حيث يفضّل خوض المعارك في ظروف تضمن له التّفوق، في معركة طوفان الأقصى، اعتمدت المقاومة على اختيار مواقع الاشتباك بعناية، مستغلةًّ المعارف المحلّية والتّضاريس المعقّدة داخل غزّة والمستوطنات المحيطة بها لتحقيق أقصى فاعليّة في القتال.
ثانيًا: التّخطيط والإعداد
-1-المعلومات الإستخباراتيّة:
في كتابه، يؤكد سان تزو على أهميّة المعلومات الإستخباراتيّة، حيث يقول:
"اعرف عدوّك واعرف نفسك، ولن تخشَ مئة معركة."
في معركة الطّوفان نفّذت المقاومة الفلسطينيّة عمليّات استطلاع دقيقة قبل الهجوم، ما سمح لها بمعرفة نقاط الضّعف في دفاعات العدوّ واستغلالها، على سبيل المثال، المعرفة التّفصيليّة للمحتوى التّكنولوجي وأجهزة المراقبة في المواقع الموجودة في الغلاف.
-2-التّحضير والتّدريب:
يرى سان تزو أنّ التّدريب المستمرّ والإعداد الجيّد عاملان أساسيّان للنّصر، وقد انعكس هذا المبدأ في معركة طوفان الأقصى، حيث خضعت قوّات المقاومة لتدريبات مكثّفة تحاكي سيناريوهات القتال الفعليّ، بما في ذلك عمليّات الاقتحام والتّعامل مع التّحصينات.
ثالثًا: الخداع والمفاجأة:
-1- الحرب تقوم على الخداع:
من أشهر مبادئ سان تزو:
"اجعل عدوّك يعتقد أنّك بعيد عندما تكون قريبًا، وضعيفًا عندما تكون قويًا."
اتبعت المقاومة الفلسطينيّة هذا المبدأ عبر إخفاء نواياها الحقيقيّة، حيث سبقت العمليّة حملات تضليل إعلامي جعلت العدوّ يعتقد أنّ الأوضاع هادئة.
-2-الهجمات المفاجئة:
يعتمد سان تزو على المفاجأة كوسيلة لإرباك العدوّ وإفقاده زمام المبادرة، في معركة طوفان الأقصى، كانت المفاجأة عنصرًا رئيسيًا، حيث بدأت العمليّات في توقيت غير متوقّع، وضُربت أهداف حسّاسة في آنٍ واحد، ما أدّى إلى انهيار سريع للدّفاعات الإسرائيليّة في المراحل الأولى.
رابعًا: استغلال الموارد والقدرات:
-1- استخدام الأسلحة بذكاء:
يرى سان تزو أنّ القائد النّاجح هو من يعرف كيف يستغلّ موارده المتاحة بأفضل شكل ممكن، في معركة طوفان الأقصى، استخدمت المقاومة أسلحة محلية الصّنع، وطائرات مسيّرة، وتكتيكات الأنفاق لتعويض الفجوة في القوّة النّارية مقارنةً بالعدوّ.
-2- القتال غير التّقليدي:
يشير سان تزو إلى أن القائد الحكيم لا يعتمد دائمًا على المواجهة المباشرة، بل يستغل تكتيكات غير تقليدية. وقد طبقت المقاومة هذا المبدأ عبر الكمائن، وحرب الأنفاق، والهجمات المتزامنة، مما جعل المواجهة صعبة على جيش الاحتلال.
خامساً: إستراتيجيّة استنزاف العدوّ:
في كتاب فنّ الحرب:
يشدد سان تزو على أن إطالة أمد الحرب بطريقة مرهقة للعدو يمكن أن تؤدي إلى انهياره، حيث يقول:
"لا تُشرك جيشك في حرب طويلة، فالعدوّ المرهق هو عدوّ مهزوم."
في معركة طوفان الأقصى:
طبقت المقاومة هذه الاستراتيجية بدايةً عبر إجبار العدو على القتال في بيئة غير مواتية في الدّفاع، فبعد الخرق لغلاف غزّة تعقّدت المواجهة بالنّسبة للعدوّ داخل مستطوناته، وكان المقرّر حسب سياق الهجوم أن يكون الهجوم عبارة عن مجموعة أعمال إيذائيّة، بهدف أسر جنود من أجل عمليّة تبادل أسري كبيرة، بعدها انقلب المشهد فقد بدأ العدوّ عمليّات الاستنزاف بإطالة أمد الحرب على غزّة، من أجل استسلام حماس.
سادساً: إستراتيجيّة الحصار والسّيطرة على خطوط الإمداد:
في كتاب فن الحرب:
يرى سان تزو أنّ قطع الإمدادات عن العدوّ قد يؤدّي إلى انهياره دون الحاجة إلى معركة مباشرة، حيث يقول:
"الأفضل هو السّيطرة على العدوّ دون قتال، وذلك بقطع طرق إمداده وعزله عن موارده."
في معركة طوفان الأقصى:
طبّقت المقاومة هذه الفكرة في الهجوم التّكتيكي وليس كمعركة طويلة الأمد فمن خلال ضرب الطّرق والمستوطنات المحيطة بغزّة، وشنّ هجمات على مراكز الإمداد والإّتصال المتعلّقة بمقرّ قيادة فرقة غزّة، كما استخدمت طائرات مسيّرة وصواريخ لضرب الممرّات الحيويّة الّتي يستخدمها العدوّ، ممّا صعّب عليه بدايةً إعادة زمام المبادرة الّتي فقدها، واستقدام التّعزيزات بطريقة أسرع ممّا حدث.
سابعاً: إستراتيجيّة توظيف الرّوح المعنويّة في القتال:
في كتاب فن الحرب:
يرى سان تزو أنّ الحرب ليست مجرّد قوّة عسكريّة، بل تعتمد على الرّوح المعنويّة، حيث يقول:
"القائد الذي يستطيع رفع معنويات جيشه حتى في أحلك الظروف هو الذي سينتصر."
في معركة طوفان الأقصى:
استثمرت المقاومة في الحرب النّفسيّة والإعلاميّة لرفع الرّوح المعنويّة لمقاتليها وللجماهير، مستخدمةً الرّسائل الإعلاميّة، والتّسجيلات المصوّرة لعمليّات ناجحة، والإعلان عن خسائر العدوّ، ممّا عزّز ثقة المقاتلين واستمراريّتهم في القتال رغم التّفوق العسكريّ الإسرائيلي.
ثامناً: ضرب مراكز القيادة والسّيطرة:
في كتاب فن الحرب:
يؤكّد سان تزو أنّ شلّ قدرة العدوّ على التّواصل وإدارة قوّاته يمكن أن يؤدّي إلى انهياره بسرعة، حيث يقول:
"إذا قطعت رأس الجيش، فلن يستطيع الجسد القتال."
في معركة طوفان الأقصى:
على صعيد الهجوم التّكتيكي اتّبعت المقاومة هذا المبدأ عبر استهداف مقرّات القيادة والتّحكم، وأبراج المراقبة، وأنظمة الاتصالات العسكريّة، ممّا أدّى إلى إرباك جيش الاحتلال وجعله غير قادر على تنظيم ردّ سريع ومنسّق في بداية الهجوم، أمّا في سياق المعركة الطّويلة استطاع العدوّ في الكثير من الأماكن ضرب المنظومة والسيطرة، ومستويات القيادة العليا، السّياسيّة والعسكريّة للمقاومة، ممّا خفّف من الإجراءات الدّفاعيّة وقوّة فعاليّتها.
تاسعاً: الاستفادة من التّضاريس لصالح المعركة:
في كتاب فن الحرب:
يشدّد سان تزو على أنّ استغلال التّضاريس هو عنصر حاسم في نجاح الجيوش، حيث يقول:
"اعرف الأرض الّتي تقاتل عليها، فهي قد تكون سلاحك أو سبب هزيمتك."
في معركة طوفان الأقصى:
استغلت المقاومة الأنفاق، والمباني، والمناطق الحضريّة، والممرّات الضّيقة لجعل المعركة أكثر صعوبة على العدوّ، ممّا مكّنها من التّحرك بسرعة وتنفيذ عمليّات مفاجئة ضدّ القوّات الإسرائيليّة.
عاشراً: إدارة التّحالفات والتّأثير السّياسي:
في كتاب فن الحرب:
يرى سان تزو أنّ الحرب ليست فقط ساحة قتال، بل تتطلب تحالفات ذكيّة وتأثيرًا سياسيًا، حيث يقول:
"اجعل أصدقاءك أقوى وأعداءك أكثر عزلة."
في معركة طوفان الأقصى:
حرصت المقاومة على إدارة التّحالفات مع فصائل أخرى ودول داعمة، بالإضافة إلى استخدام الإعلام والدّبلوماسية لحشد الدّعم الشعبي والسّياسي عربيًا ودوليًا، ممّا زاد من تعقيد الموقف على الاحتلال.
هذه الإستراتيجيّات العشر تظهر أنّ معركة طوفان الأقصى كانت حربًا مدروسة قائمةً على الذّكاء التّكتيكي، واستغلال البيئة، والتّأثير السّياسي، وهي مبادئ تتوافق بشكلٍ كبير مع تعاليم سان تزو في كتابه "فن الحرب".
تُظهر هذه المقارنة إستراتيجيّات سان تزو ومعركة طوفان الأقصى أنّ المبادئ الكلاسيكيّة للحرب لا تزال صالحة حتّى اليوم، خاصّة في حروب العصابات والصّراعات غير المتكافئة، وبينما تعتمد الجيوش التّقليديّة على القوّة المباشرة، تبرز إستراتيجيّات مثل الخداع، السّرعة، اختيار ساحة المعركة، والمفاجأة كعناصر حاسمة في مواجهة قوى تفوّقها تسليحيًا وفي هذه المعركة الّتي استخدمت فيها كلّ أساليب القتال وأدت عدّة أشكال من الحروب، حديثةً أو تقليديّة، استطاعت المقاومة الصّمود بطريقة ممنهجة في العلوم العسكريّة.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: أحمد علاء الدين