الخميس 24 تموز , 2025 03:32

  فريق ترامب الدبلوماسي: بين الجهل السياسي وعدم الواقعية

فريق ترامب الدبلوماسي يظهر فشله باستمرار بسبب ضعف الخبرة

من الطبيعي أن يقوم أي رئيس أميركي جديد، خاصة بعد عودته من حزب معارض، بإعادة تشكيل الفريق الدبلوماسي وفقاً لخياراته السياسية وتوجهات حزبه. هكذا فعل دونالد ترامب بعد فوزه بولاية ثانية، فأطاح بفريق جو بايدن الذي تميز ـ رغم اختلاف التقديرات ـ بخبرة بيروقراطية تقليدية في الملفات الخارجية، وعيّن فريقاً جديداً أقرب إلى عالم الأعمال والعلاقات العامة منه إلى السياسة الخارجية.
لكن اللافت في الفريق الذي شكله ترامب مؤخراً هو هشاشته في مقاربة الملفات الدولية الحساسة، وافتقاده للحد الأدنى من الفهم التاريخي والسياسي للدول المكلّف بالتعامل معها. فالوجوه التي برزت مثل مورغان أورتاغوس، ستيف ويتكوف، وتوم باراك، وحتى مارك روبيو، قدّمت سلسلة من الإخفاقات والسقطات الخطابية التي تكشف ضعفاً جوهرياً لا يمكن تجاهله.

أورتاغوس: مبعوثة عاجزة
مورغان أورتاغوس، المبعوثة السابقة إلى لبنان، أُسند إليها ملف معقد في ظل توازنات دقيقة جداً -بعد الحرب الإسرائيليةعلى لبنان في أيلول/سبتمبر 2024-. لم تستطع التفاعل مع الواقع اللبناني، وأطلقت تصريحات غير مدروسة، أبرزها تأكيدها أن "حزب الله هُزم في الحرب الأخيرة". لكن هذا التوصيف يناقض السلوك الأميركي نفسه الذي أرسل وفوداً لمحاولة التفاوض مع الحزب، والضغط لنزع سلاحه. وهذا يُظهر تناقضاً منطقياً؛ إذ لا يُعقل أن يُفاوض طرف خاسر، بل إن الحاجة للتفاوض تنشأ عادة عندما لا يتم تحقيق نصر حاسم. بالإضافة إلى دعمها المطلق لكيان الاحتلال وعدم احترامها لأي طرف لبناني خلال زيارتها حيث تعمدت ارتداء "نجمة داوود" في أغلب لقاءاتها. وهذا ما لا يفعله السياسي المحنك ويفضل إبقاء توجهاته وقناعاته في الظل. ولأن أداءها لم يكن مفيداً ولا واقعياً حتى من منظور الإدارة الأميركية، سُحب منها الملف بعد فترة قصيرة، ما يعكس اعترافاً ضمنياً بعدم كفاءتها أو ملاءمتها للساحة اللبنانية.

ويتكوف: مبعوث بلا أدوات
أما ويتكوف، فكان مثالاً آخر على القصور. أُسندت إليه ملفات غزة وإيران، لكنه لم ينجح في إحراز أي تقدم ملموس. لا اتفاق مع إيران ولا تهدئة في غزة، بل على العكس، ازداد التوتر. ويتكوف، الآتي من خلفية قانونية وتجارية، ظهر كمن لا يملك أدوات التأثير أو الفهم الكافي لبنية الشرق الأوسط، وفشل في تحقيق أي اتفاق.

توم باراك
سقطات بالجملة المشهد الأكثر عبثية تجسّد في أداء توم باراك، رجل الأعمال والمستثمر الذي عُيّن مبعوثاً خاصاً إلى لبنان. زار بيروت مؤخراً، وصرّح بأن "حزب الله في السبعينات كان يرمي الزهور على الإسرائيليين"، في سابقة تُظهر عدم درايته الفاضحة بالتاريخ اللبناني، إذ إن حزب الله لم يكن قد تأسس أصلاً في السبعينات (تأسس فعلياً عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان) بالإضافة إلى أن رؤية وتوجه حزب الله لم يتغيرا منذ اليوم الأول لتأسيسه حيث تعامل مع الكيان على أنه كيان محتل وغاصب ويجب مقاومته ودحره من الأراضي اللبنانية. هذا النوع من التصريحات لا يمكن وصفه سوى بأنه تعبير عن جهل، وخلل فاضح في التحضير والتكليف. من أبرز إخفاقاته أيضاً، دعوته لعدم تسليح الجيش اللبناني بذريعة الحياد الأميركي، في وقت كانت فيه التهديدات الإسرائيلية تتصاعد ولبنان كله تحت تهديد هذا العدوان. الأخطر من ذلك، كان موقفه المبطّن بتلزيم لبنان للنظام السوري المتمثل حالياً باحمد الشرع (الجولاني)، باعتباره السبيل الوحيد لضبط الاستقرار، وهو ما يعكس تقاطعاً واضحاً بين مقاربة باراك ومن خلفه إدارة ترامب، وبين نظرة "إسرائيل" للمنطقة: الإبقاء على لبنان ضعيفاً، خاضعاً، ومربوطاً بمحاور لا تُمكّنه من فرض سيادته الفعلية.

روبيو: خطابات أيديولوجية بدل السياسة
مارك روبيو، المعروف بخطابه الأيديولوجي المتشدد، يفتقر إلى العمق السياسي المطلوب لإدارة ملفات معقّدة. وجوده ضمن الفريق الدبلوماسي جاء في سياق ترضيات سياسية وليس على أساس الكفاءة، وهو ما يظهر في مواقفه التي تميل للغة التحريض بدل الانفتاح أو الدبلوماسية العملية. حيث ينتمي روبيو إلى تيار متشدد يرفض أي انفتاح على كوبا أو فنزويلا، ويدعم استمرار العقوبات والعزلة، حتى لو كانت الإدارات الديمقراطية تميل للحوار. وفي عام 2021 صرح روبيو بأن "الأنظمة القمعية لا تفهم لغة المساومة، يجب أن نُبقي الضغط حتى تسقط". بالإضافة إلى مواقفه من الاتفاق النووي مع إيران حيث يعتبر من أكثر الأصوات الرافضة للعودة للاتفاق النووي.

شهادة جون بولتون:ترامب وفريقه ضعيفان في فهم الخارج
هذه الفوضى ليست مفاجئة تماماً. ففي كتابه "الغرفة التي شهدت الأحداث"، يكشف جون بولتون ـ مستشار الأمن القومي السابق لترامب ـ أن الرئيس نفسه كان يعاني من "فقر حاد في المعلومات" و"ميل لاتخاذ قرارات ارتجالية"، ويعتمد على الحدس أكثر من التحليل. أورد مثلاً أن ترامب لم يكن يعرف أن فنلندا ليست جزءاً من روسيا، واعتبر أن غزو فنزويلا فكرة يمكن التفكير بها بـ"بساطة"، ما يشير إلى غياب الرؤية الجيوسياسية المعمقة. وهذا النهج ينعكس الآن بوضوح في اختياراته الدبلوماسية. لطالما تغنّت الولايات المتحدة بزاعمتها للنظام الدولي، و"إدارتها" لملفات السياسة الخارجية عبر التحالفات والدبلوماسية. لكن ما أن تسلّم الفريق الترامبي زمام القرار، حتى بدأت تلك الحقائق تتكشف ويظهر وجه أميركا الحقيقي الذي يقوم على فرض الإملاءات ومحاولة اخضاع الأطراف المقابلة. وكشفت التجربة الترامبية أن النتيجة النهائية التي سيتوصل إليها فريق كهذا تتمثل في الفشل الذريع في كسب الأصدقاء أوالحلفاء، وتضعضع في النفوذ، وتورّط في أزمات أكبر من قدرتها على إدارتها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور