الخميس 07 آب , 2025 04:26

انعكاسات العدوان الأمريكي الإسرائيلي على إيران على مستقبل المكانة الإقليمية الإيرانية

إيران ومنطقة الشرق الأوسط

في 13 حزيران 2025، شنت "إسرائيل" هجوماً عسكرياً مفاجئاً على منشآت نووية وعسكرية داخل إيران، تبعته مشاركة أمريكية مباشرة بعد أيام، استهدفت مرافق حيوية مثل فوردو وناتنز وأصفهان. هذا التصعيد أدى إلى اغتيال عدد من القادة والعلماء النوويين الإيرانيين، وردّت عليه إيران بهجمات صاروخية استهدفت عمق الأراضي الإسرائيلية، متسببة بخسائر مادية وبشرية كبيرة اعترفت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية لاحقاً.

رغم إعلان وقف إطلاق النار في 24 حزيران، فإن تقييمات المراكز البحثية الدولية لما جرى حملت تحليلات متعددة حول أسباب الهجوم ونتائجه وتداعياته المستقبلية على مكانة إيران الإقليمية. ركزت هذه الدراسة، المرفقة أدنى الملخّص التالي، من إصدار مركز زيتونة للدراسات، للكاتب أ.د وليد عبد الحي، على قراءة تحليلية لستة مراكز أبحاث كبرى من أمريكا، فرنسا، روسيا، الصين، و"إسرائيل"، في محاولة لفهم المسار الاستراتيجي للصراع.

من الضروري أن نحدّد في هذه المقدّمة مفهوم "المكانة الإقليمية" لأيّ دولة، وتحديداً مفهوم الدولة المركز للإقليمCore Country، إذ يُعرّف الاتحاد الأوروبي للأبحاث السياسية European Consortium for Political Research القوة الإقليمية بأنّها "دولة تنتمي إلى منطقة جغرافية محددة، تُهيمن على هذه المنطقة اقتصاديّاً وعسكريّاً، وقادرة على ممارسة نفوذها في المنطقة، ومعترف بها أو حتى مقبولة كقائدة إقليمية من قِبل جيرانها". بينما يعرّفها المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية German Institute of Global and Area Studies (GIGA) بأنّها الدولة القادرة على أن تمارس تأثيراً حاسماً على الامتداد الجغرافي لإقليمها، وعلى بنيته الأيديولوجية وأجندته الأمنية، من خلال التفوّق في القدرات، ويُقرّ لها أعضاء الإقليم والقوى الدولية بهذا الدور. ومعلوم أنّ إيران وضعت سنة 2005 خطة استراتيجية لجعلها دولة مركزية إقليمية، خصوصاً لإقليم غرب آسيا الذي يمثّل الشرق الأوسط الجزء الأساسي منه.

أولاً: دوافع الهجوم وأهدافه

الهجوم الأمريكي الإسرائيلي لم يكن معزولاً عن سياق الصراع الطويل مع إيران، بل أتى استكمالًا لمساعي واشنطن وتل أبيب لمنع إيران من أن تصبح "دولة مركزية" في غرب آسيا. وقد حددت ثلاثة أهداف رئيسية لهذا الهجوم: إسقاط النظام الإيراني، تدمير برنامجه النووي، وإفشال طموحاتها الإقليمية.

ثانيًا: التقييم الأمريكي

مركز "كارنيجي" رأى أن الضربات ركزت على البنية التحتية النووية دون أن تمس جوهر المعرفة العلمية أو القدرات البشرية. وأكدت تقارير أخرى أن إيران نجحت في نقل بعض المواد الحساسة قبل الهجوم، واحتفظت بخطط الاستئناف السريع لبرنامجها النووي، رغم الأضرار الكبيرة في ناتنز وأصفهان.

ثالثًا: التقييم الفرنسي والروسي

ركز المعهد الفرنسي على مسألتين: ضعف المعارضة الإيرانية في الداخل، رغم الحراك الإعلامي لرضا بهلوي، واحتمالات تصاعد التوتر مع أذربيجان. في المقابل، رأت الباحثة الروسية زورافليفا أن الهجوم كان لأغراض انتخابية داخلية عند ترامب، وليس لتحقيق مكاسب استراتيجية. كما أكدت أن الرأي العام الأمريكي لا يفضل التورط في حرب شاملة مع إيران، ما يجعل خيار الغزو مستبعدًا.

رابعًا: الموقف الصيني

موقع "تفكير الصين" أشار إلى أن الهجوم أبرز ضعف اعتماد إيران على التكنولوجيا الروسية، ما قد يدفعها لتعزيز التعاون العسكري والتقني مع الصين. كما توقّع أن تتحول إيران نحو النموذج الكوري الشمالي في إدارة ملفها النووي، أي التلويح بالقدرات النووية الرادعة بدلاً من استراتيجية الغموض.

خامسًا: المعهد الإسرائيلي للأمن القومي

اعتبر أن إيران ستعمل على إعادة توزيع ورش العمل النووي إلى مواقع أكثر سرية، مما سيُصعّب من جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التفتيش والمراقبة. ورجّح أن تواصل "إسرائيل" ضرباتها الوقائية، مع التركيز على تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة.

سادسًا: مؤشرات مكانة إيران الإقليمية

رغم الهجوم، فإن مؤشرات عديدة تدل على صعوبة تغيير النظام الإيراني في المدى القريب. فإيران تحتفظ ببنية علمية قوية، ونشر علمي متقدم، وقاعدة من العلماء والخبراء، كما أن نظامها الأمني يعتمد على الحرس الثوري والباسيج، ما يحد من فعالية المعارضة الداخلية.

من جهة أخرى، ورغم تراجع نفوذ إيران في سوريا والعراق، وتزايد التعاون بين "إسرائيل" والهند وأذربيجان، إلا أن طهران ما تزال متمسكة بطموحها للعب دور إقليمي محوري، خاصة في الخليج وآسيا الوسطى، وهما المجالان اللذان ارتكزت عليهما استراتيجيتها التوسعية منذ قرون.

سابعًا: مستقبل البرنامج النووي

أجمعت أغلب التقارير على أن البرنامج النووي الإيراني تعرض لأضرار كبيرة، لكنه لم يُدمّر بالكامل. إيران ما تزال تملك مخزونات من اليورانيوم المخصب، وقدرات لإنتاج أجهزة طرد مركزي جديدة. كما أن قرار البرلمان الإيراني بتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يزيد من غموض المرحلة المقبلة.

ويرجّح أن تستمر إيران في تطوير برنامجها تحت مظلة الغموض الاستراتيجي، مع التلويح أحيانًا بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، بهدف تعزيز موقعها التفاوضي.

ثامنًا: السيناريوهات المستقبلية

طرحت الدراسة ستة سيناريوهات محتملة لمستقبل النظام الإيراني، أهمها:

- حدوث انقسام داخل المؤسسة العسكرية.

- عودة رموز من المعارضة الداخلية.

- تحالف الأقليات مع المعارضة الفارسية.

- استمرار النظام مع تغيير في صيغته الأيديولوجية أو الأمنية.

وفي المقابل، فإن السيناريو الأرجح في المدى القصير هو بقاء النظام واستمرار الصراع مع "إسرائيل"، بما يشمل جولات من التصعيد والتهدئة.

تُظهر معظم المؤشرات أن النظام الإيراني لا يزال متماسكاً، رغم الضربات والخسائر. ومشروعه النووي لم يُمحَ، بل يعيد ترتيب أوراقه بهدوء. الصراع مع "إسرائيل" وأمريكا مرشح للاستمرار، ولكن ضمن قواعد اشتباك محسوبة. أما على مستوى المكانة الإقليمية، فإن إيران تواجه تحديات متصاعدة، لكنها لم تُقصَ بعد من المشهد، بل تواصل لعب أدوار محورية من طهران إلى مضيق هرمز، ومن دمشق إلى آسيا الوسطى.

لتحميل الدراسة من هنا


المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

الكاتب: أ. د. وليد عبد الحي




روزنامة المحور