الثلاثاء 22 تموز , 2025 02:42

هل يردع التطبيع "إسرائيل" عن أهدافها؟

من خلال تجربة سوريا التطبيع لا يردع "إسرائيل"

تسعى الولايات المتحدة منذ سنوات إلى فرض رؤية مشوهة للسلام، عنوانها العريض "التطبيع"، وجوهرها تسويق "إسرائيل" كدولة طبيعية في المنطقة. "اتفاقيات أبراهام"، واللقاءات السرية والعلنية، كلها تأتي في هذا السياق. لكن سؤالاً واحداً ينسف هذه الرواية من أساسها: هل يمنع التقرب من "إسرائيل" العدوان على البلدان المطبعة معها؟ ما حصل في جنوب سوريا مؤخراً يقدّم إجابة دامغة.

لقاء في أذربيجان... وصواريخ في دمشق

قبل أيام قليلة، كشفت تقارير عن لقاء جمع الرئيس السوري أحمد الشرع (الجولاني) بمسؤولين إسرائيليين في أذربيجان، التسريبات أوحت بوجود حوار تمهيدي، وبأن صفحة جديدة قد تُفتح بين سوريا وكيان الاحتلال. لكن النتيجة كانت مغايرة للتوقعات: لم تمضِ أيام حتى شنّت "إسرائيل" غارات على دمشق، مبررةً الهجوم بأنه لحماية "الدروز في السويداء" وبطبيعة الحال لحماية مواقعها الحساسة التي احتلتها في الجولان.

بمعنى آخر، حتى في ذروة الحديث عن تقارب وتفاهم، قررت "إسرائيل" استعمال القصف كأداة مشروعة لإيصال رسائلها. الشرع نفسه، الذي طُرح اسمه كـ "جسر محتمل"، لم يسلم من التهديد، وفقاً لما نقلته مصادر إعلامية عديدة. كما أن الغارات كانت قريبة جداً من قصره الرئاسي في دمشق.

هذه ليست سابقة. كل التجارب أثبتت أن "إسرائيل" لا تحترم أي اتفاق أو علاقة إذا تعارضت مع ما تسميه "أمنها القومي" أو مصالحها. فمصر التي وقّعت معاهدة سلام منذ 45 عاماً، لا تزال هدفاً للاختراق الأمني والإعلامي والسيبراني. الأردن الذي يرتبط باتفاق وادي عربة، لم يسلم من التصريحات المهينة والتدخلات المتكررة.

اليوم، سوريا ليست حالة خاصة، بل مجرد نموذج جديد في سلسلة طويلة. وما حصل في الجنوب السوري يذكّر الجميع أن "إسرائيل" لا تريد شركاء، بل توابع صامتة، تطيع وتدفع الثمن أيضاً.

هل يحمي التطبيع؟

رغم انخراط دول خليجية كالإمارات والبحرين في اتفاقيات تطبيع مع الكيان منذ عام 2020، فإن هذا التطبيع لا يشكّل ضمانة حقيقية لأمن هذه الدول في مواجهة احتمال استهدافها من قبل الاحتلال مستقبلاً. ف"إسرائيل" لا تنطلق في سياساتها من منطق "الشراكة"، بل من اعتبارات أمنية استراتيجية ترى فيها نفسها فوق القانون الدولي وفوق التزاماتها حتى مع من يوقّعون معها الاتفاقيات. وتاريخ تدخلاتها الإقليمية يقدّم دلائل صارخة على ذلك؛ فقد قصفت "إسرائيل" دولاً كالعراق ولبنان في مراحل مختلفة، أحياناً رغم وجود تفاهمات دولية، ما يدل على أن "التفاهم مع إسرائيل" لا يعادل "التحصين" منها. والأسوأ من ذلك، أن "إسرائيل" تحتفظ لنفسها بحق تنفيذ "ضربات استباقية" ضد أي كيان أو بلد تعتبره تهديداً محتملاً، وهو ما قد يشمل دولاً مطبّعة إذا ما تبدّلت مواقفها أو استخدمت وسائل ضغط سياسية أو اقتصادية عليها في المستقبل. أما في حال حدوث اضطرابات داخلية أو تغير في المزاج الشعبي داخل هذه الدول، فقد لا تتردد "إسرائيل" في استخدام أدوات نفوذها أو حتى قواها الاستخبارية لتأديب من تعتبرهم "خارجين عن الطاعة". من هنا، فإن رهان بعض الأنظمة الخليجية على أن العلاقة العلنية مع الكيان ستحميها من الاستهداف، هو رهان قصير النظر. ف "إسرائيل" لا تبحث عن أصدقاء بقدر ما تبحث عن بيئة طيّعة، تخدم أمنها المطلق، وتخضع دون شروط لأي تحوّل في أولوياتها.

خديعة التطبيع

لذا ينبغي على الدول التي تفكر في التطبيع مع كيان الاحتلال أن تتوقف ملياً أمام التجربة الأخيرة، لتدرك أن التطبيع ليس ضمانة "للأمن القومي" ولا وسيلة لحماية المصالح الوطنية كما يُروَّج. ف"إسرائيل" ليست شريكاً طبيعياً في الإقليم ولا يمكنها أن تكون، بل كيان توسّعي تأسس على العدوان، ويستند في استراتيجيته إلى الغدر والتغلغل والتفكيك من الداخل. من يتعامل معها على أنها دولة طبيعية يمكن التفاهم معها على قاعدة المصالح المشتركة، يتجاهل تاريخاً طويلًا من نقض الاتفاقات، واستباحة سيادة الدول، وتنفيذ عمليات اغتيال وتجسس حتى في العواصم "الصديقة". التجربة تقول بوضوح: "إسرائيل" لا تلتزم إلا بما يخدم تفوقها الأمني المطلق، ولا تتردد في الانقلاب على أي اتفاق إذا تغيّرت مصالحها أو شعرت بأي تهديد ولو محتمل. من هنا، فإن الرهان على صفقات السلام ليس سوى وهم، والخيار الوحيد الآمن هو بقاء هذه الدول على جهوزية لمواجهة هذا العدو، لا الوقوع في فخ شراكه السياسية والاقتصادية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور