الإثنين 09 حزيران , 2025 12:24

الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان: احتلال غير مباشر

العدوان الأخير على الضاحية الجنوبية

العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان لم يكن يوما عشوائياً أو اعتباطياً، بل يحاول الإسرائيلي من خلال توقيته ودوافعه استهداف هيبة الدولة وسيادتها، وتقويض القرار الوطني، و كرامة الشعب اللبناني وإيمانه وعنفوانه، وكي الوعي لديه، وزرع فكرة أنه متفوق، ويكرس فيها "الاحتلال غير المباشر"، يستهدف أيضاً اللعب على وتر التوترات الداخلية والتطورات السياسية الخلافات والتحالفات، لا سيما إذا لاح في الأفق توافق لبناني او مواقف تعبر عن وحدة اللبنانيين وبخاصة بين الدولة والمقاومة.
العدوان الذي نفذته "إسرائيل" على الضاحية الجنوبية ليلة عيد الأضحى، والذي استهدف أبنية سكنية مدنية لا يوجد فيها لا مخازن عتاد عسكري ولا مصانع للمسيّرات وفق بيانات الجهات الرسمية والجيش اللبناني، هو أحد الأمثلة على الضغوط الإسرائيلية المستمرة على لبنان وحكومته وشعبه ومقاومته ووحدته، حيث يختار فيه العدو توقيتات حساسة لتحقيق أهداف سياسية وليست عسكرية بالضرورة. فما هي أهداف الاحتلال من هذه الضربات المتكررة والخرق المستمر لوقف إطلاق النار؟

توقيت الضربة

تترافق الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان غالباً مع محطات مفصلية داخلية. عشية عيد الأضحى، نفّذ العدو سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية، مكرراً بذلك النمط نفسه الذي استخدمه الشهر الماضي قبيل الانتخابات البلدية في الجنوب، حين شنّ اعتداءات واسعة لترهيب الأهالي وثنيهم عن التواجد في قراهم والمشاركة في عملية الاقتراع. هذا التوقيت لا يهدف فقط إلى بث الذعر، بل إلى التشويش على المناخ السياسي اللبناني وفرض مشهد فوضوي يضعف قدرة الدولة والمجتمع على مواكبة الاستحقاقات. لكن الأهم، أن التوقيت قد لا يكون بريئاً من التطورات الداخلية، خصوصاً مع بوادر حلحلة في ملف الإعمار، لا سيما بعد الجلسة الأخيرة بين رئيس الحكومة نواف سلام ووفد كتلة الوفاء للمقاومة برئاسة الحاج محمد رعد، وهي خطوة رصدها العدو بدقة، ويسعى اليوم إلى تعطيل مفاعيلها ميدانياً. فكل تقارب داخلي من شأنه أن يفكك الضغط عن المقاومة، هو في حسابات العدو "مكسب يجب ضربه".

ماذا وراء استهداف الأبنية السكنية في بيروت؟

قبل العيد بساعات قليلة، قصف العدو الإسرائيلي نحو تسعة مبانٍ سكنية في الضاحية الجنوبية، يسكنها حوالي 150 عائلة. واللافت هنا هو أن الجيش اللبناني كان قد توجه إلى تلك المباني لتفقد الوضع والتحقق من ادعاءات الاحتلال بانها "تحوي أسلحة وطائرات مسيّرة" وبالتالي منع استهدافها، لكن طائرات الاحتلال لم تسمح له بتنفيذ مهمته، بل قام بشن الضربة قبل أن يتمكن من إجراء أي عملية كشف. هذا التصرف يعكس حقيقة أن "إسرائيل" تريد فعلياً استهداف الأبنية السكنية، وإحداث أضرار في الأحياء التي يقطنها المدنيون ولا تحتوي على أي أسلحة إطلاقا. فلو كان في تلك المباني أي نشاط عسكري، لكان سمح الاحتلال للجيش اللبناني بالتفقد، لكن تسرعه في القصف قبل أن يتمكن الجيش من التحقق يكشف زيف ادعاءاته التي يتستر بها أمام المجتمع الدولي. وفي هذا الصدد جاء بيان الجيش اللبناني الذي اعتبر "تمادي العدو الإسرائيلي في خرق الاتفاقية ورفضه التعاون مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، قد يدفع المؤسسة العسكرية إلى تجميد التعاون معها فيما يخص الكشف على المواقع". موقف متقدم للجيش لاقى صدى في الداخل ولدى الرعاة الدوليين لوقف إطلاق النار، لكن هل تكترث إسرائيل؟

هل للتصعيد الإسرائيلي على لبنان صلة بالمفاوضات النووية؟

العدوان الإسرائيلي على لبنان في هذه الفترة ليس حدثًا منفصلًا، بل جزء من مسلسل ضغوط مستمر على الساحة اللبنانية والإقليمية. "إسرائيل"، وعلى الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية، تدرك أن المفاوضات النووية مع إيران، إذا نجحت، قد تضعف موقفها في المنطقة وتقلل من قدرة تأثيرها في الملفات الإقليمية. من هذا المنطلق، يحاول الاحتلال توجيه رسائل واضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية: "لا تضغطوا علينا بخصوص لبنان حتى لو نجحت المفاوضات النووية مع إيران". وفي هذا السياق تسعى "إسرائيل" إلى فصل ملفات المنطقة، وجعل لبنان بعيداً عن أي نقاش أو توافق دولي يمكن أن يمس مصالحها فيه.

"إسرائيل" والاحتلال غير مباشر

لم تعد "إسرائيل" بحاجة إلى اجتياح بري لتفرض احتلالها على لبنان. فأسلوبها الجديد يقوم على احتلال غير مباشر، تتسلل عبره لتفرض وقائع ميدانية تحت غطاء "التنسيق مع اللجنة الخماسية" أو عبر رسائل تهديد مواربة. المثال الأحدث على ذلك جاء عصر يوم الأحد، حين تلقّى الجيش اللبناني رسالة من لجنة وقف إطلاق النار التابعة للأمم المتحدة تطلب منه الكشف على موقع محدد في منطقة المريجة بالضاحية الجنوبية بحجة وجود أسلحة، تحت طائلة استهدافه. ما يعني أن "إسرائيل" تحاول تمرير معادلة جديدة: وهي "تنفيذ الدولة اللبنانية لما تريده تل أبيب" أبعد من جنوبي الليطاني، وهذا الأمر بطبيعة الحال غير مقبول ومرفوض من المقاومة والدولة أيضا. ورغم أن الجيش اللبناني قام بالكشف الميداني وأكد عدم العثور على أي سلاح في المكان، لم يَسقط التهديد الإسرائيلي، وكأن القرار النهائي لا يعود للدولة اللبنانية، بل للاحتلال ما أثار موجة سخط على مواقع التواصل الاجتماعي كيف ان الجيش اللبناني أصبح "أداة عند الإسرائيلي". هذا المنطق مرفوض بكل المعايير السيادية والقانونية، ويُظهر كيف تحاول "إسرائيل" تحويل الضغط العسكري إلى غطاء لتقويض القرار الوطني وتسقط هيبة الجيش اللبناني، وإعادة تشكيل المعادلات لمصلحتها.

قصف لبنان ترميم للجبهة الداخلية في الكيان
القيادة الإسرائيلية، لا سيما في ظل الفشل في غزة، تحاول الحفاظ على صورتها أمام الرأي العام الداخلي. فقصف الضاحية والجنوب يمنح الجيش الإسرائيلي استعراضاً إعلامياً بأنه "متفوق" وانه "ما زال قادراً على ردع" المقاومة، رغم أن الردع الإسرائيلي متآكل جراء الحرب المستمرة بلا حسم على غير جبهة وعلى غير صعيد. بالإضافة إلى محاولة "إسرائيل" جر المقاومة لرد ميداني يمكن استثماره لشنّ حرب أكبر بتوقيت العدو وليس بتوقيت المقاومة، وهذا ما يجعل حزب الله متريثاً في أي قرار سيتخذه، يراقب يرصد ويترقب اللحظة المناسبة للرد على الخروقات الإسرائيلية، ولترميم الردع في مواجهة الاستباحة المتواصلة لسيادة لبنان جواً وبراً وبحرا، لا سيما مع فشل الدولة والدبلوماسية في ردع الإسرائيلي ووقف تماديه.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور