في استعراض للتواطؤ البريطاني الرسمي – بمختلف الحكومات المتعاقبة – في دعم العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والذي تجاوزت حصيلته، بعد عشرين شهراً، أكثر من 54,000 شهيد. كشف الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني جيرمي كوربين في مقال جريء له نشره موقع "ذا غارديان" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، كيف أن حكومته لم تكتفِ بالصمت، بل كانت شريكاً فاعلاً في الجريمة، من خلال توفير الأسلحة، والدعم الاستخباري، والتغطية السياسية والعسكرية للكيان. ويركز المقال على النقاط التالية:
الاستمرار في تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل" رغم ارتكاب الأخيرة لجرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
الدور المشبوه للقاعدة العسكرية البريطانية في قبرص "أكروتيري" في نقل الأسلحة وتوفير الدعم الاستخباري، وسط تعتيم كامل على ما يجري داخلها.
المقارنة بين الكارثة الإنسانية في غزة وبين "غزو العراق" عام 2003، حيث يربط كوربين بين فشل الحكومة البريطانية في العراق، وصمتها المشين اليوم أمام المجازر الإسرائيلية، ويطالب بتحقيق مماثل لتحقيق "تشيلكوت" لكشف حجم التورط البريطاني.
تقديم مشروع قانون جديد يطالب بتحقيق علني ومستقل في التعاون البريطاني العسكري والسياسي والاقتصادي مع "إسرائيل" منذ أكتوبر 2023، مع أسئلة صريحة حول: ما نوع الأسلحة التي تم تصديرها؟ كيف استُخدمت؟ وما الأدلة المصورة أو الاستخباراتية التي تمت مشاركتها مع الاحتلال؟
النص المترجم:
حسّام، 13 عاماً، ومحمد، 14 عاماً، قُتلا بواسطة قنابل عنقودية أُسقطت من الجو. هذه القنابل صُنعت في الولايات المتحدة وأُسقطت خلال حملة عسكرية دعمتها الحكومة البريطانية. وُلد حسّام ومحمد في بغداد، وقُتلا عام 2003. ووفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن القنبلة الصغيرة مزّقت ساقيهما وقتلتهما في النهاية. كانا اثنين من نحو 200,000 مدني قُتلوا في حرب العراق. لسنوات بعد ذلك الصراع، حاولت الحكومة مقاومة محاولات عدّة لإنشاء تحقيق حول كيفية اتخاذ المسؤولين البريطانيين للقرارات السياسية وفي عام 2016 نُشر تقرير لجنة "شيلكوت". كنت حينها زعيم حزب العمال، ووجد التقرير إخفاقات جسيمة داخل الحكومة البريطانية. بعد أن قدّمت ردّي على التقرير في البرلمان ذلك اليوم، توجّهت إلى قاعة "تشرتش هاوس"، حيث دعونا قدامى المحاربين، وعراقيين، وعائلات الجنود البريطانيين الذين فقدوا أرواحهم. وقدّمت اعتذاراً باسم الحزب عن القرار الكارثي بالذهاب إلى الحرب في العراق. واليوم، التاريخ يعيد نفسه وحكومة عمالية ترتكب خطأ جسيمًا آخر. فبعد عشرين شهراً من القصف الإسرائيلي، تجاوز عدد القتلى في غزة 54,000. أما الناجون، والمصابون، والمفجوعون بفقدان أحبائهم فسيحملون ندوباً أبدية لأجيال قادمة. لم تتصرف "إسرائيل" وحدها فقد اعتمدت على دعم عسكري واقتصادي وسياسي من حكومات حول العالم. وربما تغيرت الحكومة البريطانية منذ 7 أكتوبر 2023، لكن شيئاً واحداً بقي ثابتاً: استمرار تزويد "إسرائيل" بالسلاح. بين تشرين الأول وكانون الأول من العام الماضي وحده، وافقت حكومة حزب العمال على تصدير أسلحة إلى "إسرائيل" أكثر مما وافق عليه المحافظون بين 2020 و2023 وذلك رغم إعلان الحكومة عن تعليق جزئي في أيلول 2024.
كثيرون منّا ما زالوا يعبرون عن اشمئزازهم من الاستمرار في تزويد الكيان بالمقاتلات بمكوناته. وما زلت مذهولاً من أن الحكومة تعترف علناً بأنها تستثني هذا البرنامج من قرار التعليق الجزئي. هل هذا استثناء من التزاماتها القانونية بمنع الإبادة الجماعية؟ هناك أمر لا جدال فيه: هذه الحكومة لا تزال تسمح بتوريد الأسلحة لدولة رئيس وزرائها مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية. لقد طلبنا مراراً وتكراراً معرفة الحقيقة بشأن دور القواعد العسكرية البريطانية في قبرص، ولا سيما قاعدة "أكروتيري" الجوية، فيما يتعلق بنقل الأسلحة إلى "إسرائيل" وتزويدها بالمعلومات الاستخباراتية. وعندما زار كير ستارمر قاعدة "أكروتيري" في كانون الأول 2024، صُوّر وهو يقول للقوات هناك: "العالم كله يعتمد عليكم، وكل من في الوطن يعتمد عليكم." وأضاف: "الكثير مما يجري هنا لا يمكن الحديث عنه طوال الوقت.. لا يمكننا بالضرورة أن نُخبر العالم بما تفعلونه هنا". فما الذي تخفيه الحكومة؟ لقد قُوبلت أسئلتنا بالتجاهل، والمماطلة، والصمت تاركةً الشعب البريطاني في ظلام بشأن كيفية أداء الحكومة لمسؤولياتها. الشفافية والمحاسبة هما حجر الأساس في أي ديمقراطية. ويستحق الشعب البريطاني أن يعرف المدى الكامل لتواطؤ بريطانيا في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. لهذا السبب، سأطرح غداً مشروع قانون فردي يدعو إلى إجراء تحقيق عام مستقل بالكامل حول دور المملكة المتحدة في الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة. يهدف هذا التحقيق إلى كشف الحقيقة بشأن التعاون العسكري أو الاقتصادي أو السياسي بين بريطانيا و"إسرائيل" منذ تشرين الأول 2023. وأي تحقيق حقيقي يتطلب التعاون الكامل من الوزراء – من حزب المحافظين والعمال – الذين شاركوا في عمليات اتخاذ القرار. يجب على هذا التحقيق أن يكتشف: ما الأسلحة التي تم تزويد "إسرائيل" بها؟ وأي من هذه الأسلحة استُخدم لقتل الفلسطينيين؟ ما النصائح القانونية التي تلقتها الحكومة؟ هل تُستخدم قاعدة "أكروتيري" الجوية كمسار لنقل الأسلحة إلى غزة؟ ما لقطات الفيديو التي تملكها الحكومة عن منطقة الحرب؟ وما المعلومات الاستخباراتية التي تم تمريرها إلى "إسرائيل"؟
على مدار العشرين شهراً الماضية، عاش البشر رعباً ووحشيةً يجب أن تطاردنا إلى الأبد. عائلات بأكملها أُبيدت. أطراف بشرية تناثرت في الشوارع. أمهات يصرخن بحثاً عن أطفالهن الممزقين. أطباء يجرون عمليات بتر بلا تخدير. منزلاً بعد منزل، مستشفى بعد مستشفى، جيلاً بعد جيل. ما نشهده ليس حرباً بل إبادة جماعية تُبَثّ على الهواء مباشرة أمام العالم أجمع. لا يمكن لأحد أن يدعي الجهل بما يحدث. في تشرين الأول 2023، حذرنا من أننا نشهد بداية الإبادة الكاملة لغزة وشعبها. لكننا قوبلنا بالتجاهل واليوم، بدأ بعض السياسيين أخيرًا بالتراجع، ربما خوفاً من تبعات لا إنسانيتهم. ولو كانت لديهم ذرة من النزاهة، لبكوا على 54,000 فلسطيني دُفنوا تحت الأنقاض نتيجة لجبنهم الأخلاقي والسياسي.
على الحكومة أن تقرر: هل ستدعم هذا التحقيق؟ أم ستُعرقل جهودنا في كشف الحقيقة؟
المصدر: The Guardian
الكاتب: Jeremy Corbyn