في منتصف ليلة الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، كانت تواجه إسرائيل تواجه لحظة حقيقة من الضعف الوجودي. على جبهتي الجولان وسيناء، انهارت خطوطها الأمامية خلال ساعات من هجوم مصري–سوري ثنائي. حينها، عقد المسؤولون الاسرائيليون اجتماعاً طارئاً انتهى باتخاذ قرار، كان سيكرر سيناريو هيروشيما ونكازاكي: تحميل رؤوس نووية على صواريخ جاهزة للإطلاق من قاعدة "تل نوف" وسط فلسطين المحتلة. وللمرة الأولى، كانت المنطقة أمام واقع خطير، أكده وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر لإدارة ريتشارد نيكسون بقوله ان "إسرائيل من بين الدول الأكثر احتمالاً لاستخدام السلاح النووي".
بعد يومين، انعقدت لجنة أمنية مصغرة ضمّت رئيسة الوزراء غولدا مائير، وزير الحرب موشيه دايان، ورئيس الأركان دافيد إلعازار. وتشير وثائق سرّبت لاحقاً، أن كيان الاحتلال قرر خلال الساعات الأولى تفعيل ما يسمى "الإشارة النووية"، أي تحميل الرؤوس على منصات الإطلاق وإبلاغ الولايات المتحدة.
ردّاً على ذلك، أطلقت واشنطن "جسراً جويّاً استراتيجيّاً"، وبدأت بإمداد الكيان بأطنان من الأسلحة خلال أيام قليلة، إدراكا منها لخطورة ما قد تفعله إسرائيل في حال شعرت أنها تُركت وحدها.
تعود جذور المشروع النووي الإسرائيلي إلى خمسينات القرن العشرين، حين كان دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي، مهووساً بفكرة "الردع المطلق". في عام 1956، وبعد التنسيق الثلاثي في العدوان على مصر (بريطانيا-فرنسا-إسرائيل)، توطدت العلاقة بين تل أبيب وباريس، التي كانت تبحث عن موطئ قدم استراتيجي في الشرق الأوسط بعد أفول إمبراطوريتها الاستعمارية.
في صفقة سرية جرت بعيداً عن أعين الأميركيين، وافقت فرنسا على بناء مفاعل نووي في ديمونا، تحت غطاء أنه "مصنع نسيج". وتكفلت بتدريب العلماء الإسرائيليين وتزويدهم بالمعدات اللازمة لإنتاج البلوتونيوم. لاحقاً، زودتها النرويج بالماء الثقيل، أحد المكونات الأساسية لتشغيل المفاعل.
عام 1963 وجه الرئيس الأميركي جون كينيدي رسائل تحذيرية إلى بن غوريون وشيمعون بيريز تطالب بالتفتيش الكامل. غير أن اغتيال كينيدي وتولي ليندون جونسون، المؤيد لإسرائيل، أوقف هذا المسار، وسمح عملياً بتكريس سياسة "الغموض النووي".
أصبحت إسرائيل، بنهاية الستينيات، تمتلك سلاحاً نووياً فعلياً. وتؤكد وثائق الاستخبارات الأميركية المنشورة لاحقاً أن أول قنبلة إسرائيلية كانت جاهزة عام 1967، لكنها لم تُستخدم. إلا أن التطور الأخطر كان في 1973، حين اعتبر الكيان أن بمقدوره استخدام هذا السلاح عند أول حرب كبرى تفوق قدرته على المواجهة.
جوهر الخطأ الاستراتيجي لا يكمن فقط في امتلاك إسرائيل لقنبلة نووية، بل في طبيعتها البنيوية ككيان:
-مكوّن من يهود استُقدِموا من مختلف أنحاء العالم، لا يربطهم أي شيء بهذه الأرض
-يفتقر للعمق الجغرافي والسكاني، ما يجعله مفرِط الحساسية وسريع اللجوء إلى الخيارات المتطرفة
-محاط بدول تعتبره كياناً مُحتلاً، ويعاني من رفض مجتمعي وثقافي
تمتلك إسرائيل اليوم 90 رأساً نووياً، وتذهب بعض المنظمات الدولية إلى تقدير العدد بأنه يتجاوز الـ400. كما أنها لم تنضم إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية أو البيولوجية أيضاً على الرغم من ثبات امتلاكها لها بل واستعمالها أيضاً في حروب متفرقة خاصة في لبنان وغزة.
في حين، يشن الكيان المصطنع والمفروض بالقوة على دول المنطقة عدواناً على إيران، وريثة واحدة من أقدم الحضارات البشرية، والدولة المركزية في المنطقة، والشعب المتجذر بالأرض منذ مئات السنين، لتدمير برنامجها النووي السلمي، الذي تراقبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتضع اطره القانونية اتفاقيات دولية انضمت إليها طهران منذ انتصار الثورة.
هذا الواقع يفضح ما هو أبعد من ازدواجية المعايير. إنه يؤشر إلى هندسة استراتيجية في المنطقة والعالم تقوم أولاً واخيراً على حماية مصالح الولايات المتحدة. وللمفارقة أن الشاه محمد رضا بهلوي -حليف الغرب المفضل آنذاك- كان يُعامل من قبل العواصم الأوروبية وواشنطن كما لو كان إلهاً في طور التقديس السياسي، وكانت تُعرض عليه تقنيات نووية متقدمة دون أدنى تحفظ، مما يكشف أن المشكلة الحقيقية لم تكن يوماً في السلاح النووي بحد ذاته، بل في هوية من يمتلكه، ومدى خضوعه للمنظومة الغربية".